لم يعد من المفيد الاختباء خلف اصبعنا والقول ان إسرائيل لم تنتصر في تحقيق سيطرتها على لبنان، بغض النظر عما اذا كان هذا الامر تم بمساعدة من الإدارتين الاميركيتين الديمقراطية وبعدها الجمهورية، ومن الغرب وبعض الدول العربيّة "الشقيقة". صحيح ان اللوم لا يقع فقط على هذه الدول، بل ايضاً على حزب الله الذي، وللمرة الوحيدة ربما، لم يستطع ان ينجح في قراءة المتغيرات والمخططات الموضوعة بشكل جيد كما كان يفعل، ومع غياب اساسه ومحوره أي امينه العام السابق السيد حسن نصر الله، فقد زخمه وخطورته على إسرائيل والمعادلات التي فرضها عليها لعقود من الزمن... انما اليوم لا ينفع توجيه أصابع الاتهام، ولا البكاء على الاطلال، خصوصاً اننا امام ازمة وجودية حقيقية بالنسبة الى لبنان لناحية السيطرة الإسرائيلية عليه.

من المؤكد ان الصوت اللبناني يعلو حالياً لانسحاب إسرائيلي من الأراضي التي احتلتها بعد دخول اتفاق وقف الاعمال القتالية (الذي تم تمديده) حيز التنفيذ، وهو ما يضع ايضاً في المناسبة، علامة استفهام على الأراضي الباقية التي كان متنازع عليها (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا...) قبل الاحتلال الجديد. ولكن، هل فعلاً ينفع الاختباء خلف واقعة ان إسرائيل تسيطر فعلياً على لبنان حتى من دون تواجدها العسكري؟ هل يمكن للبنان ان يمنع اختراق الإسرائيليين لسيادته الجوية والبرية والبحرية التي تحصل كل يوم، حتى من دون مبرر (كما شاهدنا في تشييع الامينين العامين لحزب الله)، وكيف يمكن تفسير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين، وبموافقة أميركية مطلقة، يشددون على انهم يتحكمون بالوضع في لبنان من خلال حرية تحركهم من دون حسيب او رقيب؟ ومن يستطيع ان ينكر السيطرة السياسية الأميركية-الإسرائيلية-الغربية على لبنان في الوقت الحالي، والتي تتمثل في منع او قبول كل شيء من معدات وتجهيزات وحركة ملاحة وغيرها... فماذا ينفع انسحاب إسرائيل اذا بقيت مسيطرة من خارج الحدود على لبنان؟.

لا احد يقول ان حرية الحركة الإيرانية والسورية سابقاً كانت افضل حالاً، ولكن استبدالها بحرية حركة غربية ليس الحلّ المنشود، فالانتقال من سيطرة الى أخرى يعيدنا الى الوراء، ومن كان يشعر انه مهشّم بات اليوم يشعر انه اكثر راحة وحرية، والعكس صحيح، والغضب الذي يكتنز شريحة من اللبنانيين انتقل الى شريحة أخرى منهم، وهذا ان دل على شيء، فعلى ان الأمور في لبنان لن تجد استقراراً دائماً، بل موقتاً في افضل الأحوال.

دخلنا اذاَ مرحلة السيطرة الغربية على لبنان، ونأمل ان تكون افضل بكثير من المرحلة السابقة، ولكن بدايتها لا تبشّر بالخير، خصوصاً وان المسؤولين الاميركيين الذين زاروا لبنان اخيراً، بدا واضحاً لديهم تفضيلهم اسرائيل على لبنان حتى على الجيش اللبناني الذي يتغنّون بأنه خشبة الخلاص واساس لبنان (وهم على حق)، ولكنه كلام يراد به باطل لانهم قالوا بكل خبث (خلال تصريح لاحد أعضاء الكونغرس من قصر بعبدا) انه لم يحصل أيّ اشتباك او مواجهة بين الجيش اللبناني والقوات الإسرائيلية، فيما الاعتداءات الإسرائيلية على الجيش لم تتوقف منذ بداية الحرب وبعد الاتفاق وحتى اليوم، حيث يسقط منه شهداء بشكل شبه يومي، ويتملّص الإسرائيليون من الامر.

سيربط الغرب كل شيء في لبنان به، من إعادة الاعمار الى السياسة الداخلية والخارجية، الى التعاطي مع المشاكل المعيشية والحياتية وحتى التعيينات... ولن ينفع نكران البعض ذلك، او غضب البعض الآخر من هذا التدبير، فما كتب قد كتب، ويبقى الامل فقط في ان يعيش لبنان فترة من استنشاق الهواء قبل ان يغوص مجدداً في مياه التوتر والمشاكل، ولا سمح الله في مياه الحروب.